محمد الشيخ - انتهى نهائي دوري أبطال آسيا وانتهى معه حلم الهلاليين وحلم من كانوا يرون أن في تحقيق الهلال للقب انتصاراً للكرة السعودية ولرياضة الوطن، وبنهاية الاستحقاق القاري الكبير خلّف فريق سيدني الاسترالي مأساة في نفوس أنصار (الزعيم) لن تتبدد بسهولة؛ خصوصاً وقد ذاقوا مع الخسارة مرارة الظلم التحكيمي الذي لا يكاد تعرض له فريق مثله من قبل على الأقل في واقعنا الراهن.
خسارة الهلال مأساة (كروية) بامتياز، أقول كروية وأشدد على ذلك، فهي في نهاية المطاف مباراة من بين آلاف المباريات التي يعيش معها أنصار كرة القدم في شتى بقاع الأرض جنون كرة القدم بما فيها من متع وعذابات، وهم يدركون جيداً بأنها لا تعترف بأحلامهم، ولا تدين لقواعدهم، ولا تخضع لحساباتهم، فكما تطعمهم الشهد يوماً فهي تذيقهم العلقم أياماً.
المأساة الكبرى ليس في خسارة الهلال، وإنما في خسارة الوعي المجتمعي الذي ظل يتدحرج إلى أودية سحيقة من الجهل منذ عبور الهلال للمباراة النهائية ولا زال حتى اليوم حيث ما برح المأزومون يقيمون الأفراح والليالي الملاح رقصاً على خسارة “ممثل الوطن”؛ ظناً منهم أنهم بذلك يشفون نفوسهم المريضة بالأحقاد، ويداوون قلوبهم المحتقنة بالحقد، ويعالجون عقدهم المتشابكة بالأزمات، وما علموا أنهم بذلك يزيدون أنفسهم مرضاً إلى أمراضها.
المؤلم أكثر وسط هذه المأساة ليس في هبوط قيمة الوعي في مدرج جماهير الكرة، فعلى الرغم من مرارة ذلك، لكن يبقى المدرج بتلاوينه وعاء كبيرا يحوي كل ما يمكن تصوره وما لا يمكن تصوره، غير أن ما هو أمرُّ وأفظع هو سقوط الوعي لدى من يفترض أنهم نخب المجتمع، إعلاميين، ومثقفين، وأكاديميين، ودعاة، حيث تبارى البعض منهم مع الجماهير المحتقنة في سباق التعصب، وتزاحموا معهم في مضمار التشنج حتى سقطت هيبتهم وهيبة صفاتهم الاعتبارية؛ خصوصاً وقد راحوا يتشاتمون ويتعايبون على طريقة فتوات الحارات وصبيانها.
هذا الواقع المخيف يطرح جملة أسئلة معقدة وشائكة تحتاج إلى حلحلة وتفكيك، حول من المسؤول عن هذه التجاذبات؟، ومن يغذيها؟، وإلى أين ستصل؟، ومن المعني بوقف تمددها؟ خصوصاً وقد بدا أفقها مفتوحاً مع ما نجده من تفاخر وتشاوف بها من جهة، وتبرير وتسطيح لها من جهة أخرى، وكأننا لا نعي الدروس، ولا نقرأ الأحداث القريبة منها والبعيدة.
قمة الكرة المصرية بين الأهلي والزمالك، أو ما يعرف ب “ديربي” القاهرة كان حتى وقت قريب هو مضرب المثل من بين كل قمم الكرة العربية في التعصب والتشنج بين أنصار الناديين إلى درجة تصل إلى العدوانية التي تقوم معها مصر ولا تقعد، حيث يتمدد ذلك التعصب إلى كل شرايين المجتمع المصري حتى يصل إلى داخل البيت الواحد، وهو ما أفرز أزمات كثيرة وصلت إلى خارج نطاق هذا “الديربي” كما كان في حادثة بور سعيد الشهيرة التي عرفت بمذبحة بورسعيد والتي راح ضحيتها 73 قتيلاً.
استحضر “ديربي” القاهرة في هذا السياق بسبب ما سمعته من حديث مقلق من الصديق حسن ناجي، وهو مثقف مصري ومدرب رياضي جاوز الستين عاماً، ويعيش في المملكة منذ ما يزيد على 30 سنة، وتربطه علاقات قوية مع كبار الرياضيين السعوديين أشدها عمقاً كانت مع الفقيد عبدالله الدبل، حيث أسر لي بأن مؤشرات التنافس الرياضي السعودي تذهب إلى درجات مخيفة من التأزم والتعقيد والخطورة بحيث باتت مفتوحة على كل الاحتمالات.
ويضيف ناجي: أكبر ما يتهدد واقع التنافس الرياضي في السعودي أن افرازات التعصب والتشنج والتباغض باتت مجرد وجهات نظر عند بعض السعوديين حتى في المنافسات الخارجية لممثلي الكرة السعودية، مشدداً على ان ما شاهده من اصطفاف معلن من جماهير وشخصيات اعتبارية ضد الهلال واحتفالات بعد هزيمته من سيدني الاسترالي لم يشهد مثيلاً له في مصر رغم حدة التنافس بين الزمالك والأهلي لأن ثمة خطوطاً حمراء لا يتم تجاوزها حينما يكون التمثيل باسم مصر.. انتهى كلام ناجي، وبدأ عندي – على الأقل- ترقب الخطر القادم!
0 التعليقات:
إرسال تعليق