دلالات كثيرة حملها الاحتشاد الضخم الذي
شهده مطار الملك خالد الدولي من جماهير الهلال في استقبالها للمدرب
الروماني لورينتو ريجيكامب، أحد الدلالات أنه كان بمثابة استفتاء على حب
الكيان والذوبان فيه بعيداً عن الأشخاص مهما بلغت درجة قيمتهم وعلت مكانتهم
خصوصاً وأن هذا الاستقبال جاء بعد أيام قلائل من إقالة المدرب سامي الجابر
وما خلفه القرار من ردود فعل عنيفة جماهيرية وإعلامية إذ عبّر هذه الخروج
العفوي عن رسالة مفادها أن الهلال أولاً وأخيراً.
دلالة أخرى حملها ذلك الاحتشاد وهي أن المشجع الهلالي عبّر من خلاله عن
مدى وعيه بقيمة تشجيع نادٍ كالهلال، وأنه لا يمكن أن يخضع للتحريض ضد إدارة
النادي مهما كانت درجة الاختلاف أو حتى الخلاف معها، وذلك حينما قطع
الطريق على المتربصين الذين سعوا طوال الفترة الماضية لضرب أسفين بين
المدرج الأزرق وإدارة الأمير عبدالرحمن بن مساعد تارة بالتأليب المفضوح
عليها، وأخرى ببث شائعات تسعى للتوجيه الإيحائي برفض القادم الجديد الذي
سيحل محل نجمها الكبير.
دلالة ثالثة حملتها رسالة الاحتشاد وهي أن الانتماء لناد بحجم الهلال هو
ثقافة في حد ذاتها، وليس مجرد ردح في المدرجات، وصراخ خلف الشاشات، وشتائم
في مواقع التواصل الاجتماعي؛ أو استقواء بالمنصب؛ سواء بالنسبة للمسؤول أو
للمشجع، فالمسؤول الهلالي كان يعي تماماً على الرغم من خطورة المرحلة أن
لا قيمة للهلال من دون مدرجه، والجماهير من جانبها كانت تدرك جيداً أن لا
قيامة للهلال بدون إدارييه وشرفييه، ولذلك جاء التعاطي من الطرفين بما يعبر
عن هذه الثقافة الأصيلة التي أسس لها الفقيد الكبير الشيخ عبدالرحمن بن
سعيد.
لقد كان لافتاً لمن يقرأون المشهد بعيداً عن العواطف، وبمنأى عن
الاصطفافات أن الإدارة الهلالية كانت حذرة تماماً في مقاربة الملف
الجماهيري خصوصاً وهي تدرك ماذا يعني إعفاء الجابر من منصبه لذلك كانت
رسائل الأمير عبدالرحمن بن مساعد دقيقة ومحسوبة، كما أن ظهور كبار الشرفيين
بذلك التعاضد الذي بدا مبرمجاً ساهم في تقوية الموقف الإداري، وقد زادت
قوته من خلال موقف ياسر القحطاني الذي أفرغ عن لسان زملائه اللاعبين، فضلاً
عن الظهور المحسوب للقائد التاريخي صالح النعيمة، وفوق هذا وذاك ما أظهره
سامي الجابر من وعي وثقافة عبر تغريداته التي كانت بمثابة طعنة قوية في
خاصرة الحالمين بخلاف هلالي لا يبقي ولا يذر في البيت الأزرق.
كل تلك الدلالات إنما هي تأكيد على أن الانتماء لنادي مثل الهلال ليس
مجرد عاطفة وإنما هي قيمة حضارية، ولذلك لم نشاهد يوماً على الرغم من حراجة
بعض المواقف وقوة ردّات الفعل من يدعو من الجماهير لمحاصرة النادي، ولا
للتجمهر عند بيت الرئيس، ولا لاستغلال المدرج للنيل من الإدارة شتماً ببذئ
القول، ولا رجماً بكل ما تطاله الأيدي، كما لم نسمع أي رئيس هلالي يوماً
يقول لأنصار النادي: من أنتم؟!، ولا يظهر تحديه لهم بالبقاء رغماً عنهم،
وإنما ظلت كل الأطراف تعبر عن اختلافها بسلوك حضاري يرفع من قيمة الهلال
ولا يقلل من شأنه، وكأنهم قد خطوا في دستور الانتماء للنادي مادة تقول:
الكيان خط أحمر!.
0 التعليقات:
إرسال تعليق